تُعدّ الموسيقى نوعاً من الفنون التي تعتمد على ترتيب وتعاقب الأصوات وتآلفها وفق أوزان مُحَدّدة لتشكّل فيما بعد ألحانًا عذبة تستسيغها الأذن، بحيث تدغدغ مشاعرك وتخطف عقلك دون استئذان، إذ ان لديها القدرة على تحسين مزاجك وصحتك. ويُعتقد بأن أصل هذه الكلمة يوناني، وقد كانت تعني سابقاً الفنون عموماً غير أنها أصبحت فيما بعد تطلق على لغة الألحان فقط … وبَقِيَ الإنسان يستلهم هذه الموسيقى من الطبيعة كأصوات العصافير وجريان الماء، الى أن تطوّر الأمر وأصبحت تُعزف بواسطة آلات متعددة مثل آلات النفخ والآلات الوترية، التي تعددت أنواعها وأشكالها منها الكلاسيكي، الشرقي وغيرها… واختلفت من مجتمع إلى آخر، على أن هذا الاختلاف والتباين يتوحّد عند سماع الموسيقى التي من دون كلمات أو حتى أحياناً بكلمات تستمتع بنغماتها مهما كانت اللغة مختلفة.

وتغلّب خطاب الصورة بسطوته على جميع اللغات الفنية، ولكن الموسيقى هي الأقل تضرراً من سواها بين الفنون كونها تبقى بحاجة ماسة لروحها النابضة. ومثال ذلك السينما والتلفزيون، فهما لا يصلان لكمال رسالتهما دون الموسيقى، لذا يتحمل المتخصصون في مجال الموسيقى مسؤولية كبيرة بحسن استخدام التطوّر التكنولوجي وتطويعه لعالمها حتى تواكب الحداثة وثوابتها الجمالية التي شكلت قيمها الفنية عبر مراحل مسيرتها.

التكنولوجيا سلاح ذو حدين

وفي هذا الصدد، عقد المعهد الوطني العالي للموسيقى محاضرة بعنوان “Music Technology 100 years of Evolution and Revolution”، بحضورعدد من الموسيقيين والعازفين وبدعوة من رئيس المعهد الأستاذ بسام سابا، من إعداد وتقديم الأساتذة في قسم الـ ” Music Technology” في المعهد روجيه الحلبي وجورج جريش، وبرعاية “361Solution” و” Arabian Beat Studios”، وذلك مساء الثلاثاء 21 أيار على مسرح “بيار أبو خاطر” في حرم كليّة العلوم الإنسانية – جامعة القديس يوسف.

تطرّق أستاذ الموسيقى في الكونسرفتوار جورج جريش في حديث لـ”الديار” عن أثر تطوّر التكنولوجيا على واقع الموسيقى، قائلاً:”يسعى الانسان الى التَقدّم من خلال استحداث تقنيات وأساليب جديدة، ومن المعروف أن التكنولوجيا الحديثة سلاح ذو حدين أو عملة ذات وجهين، تتوقف على مدى تعاطي الفرد معها، أي تنقسم الى شقين، فإذا استُخدِمَت بطريقة صحيحة حقّقت الفائدة للمجتمع، أي من خلال تقديم أدوات فعّالة ينتج عنها بالتالي أمورٌ إبداعيّة كبيرة، وتنعكس النتيجة في حال تمّ التعاطي مع هذا التطوّر بطريقة سلبية كـ تركيب موسيقى سريعة بطريقة عشوائية…”

“التدوين الموسيقي”

في السياق نفسه، شرح أستاذ الموسيقى في الكونسرفتوار روجيه الحلبي لـ”الديار” ما تتضمنته هذه المحاضرة الثقافية والفنية، قائلاً:”هي عبارة عن عرض مؤلف من أفلام قصيرة مصحوبة بمداخلات وبراهين Demonstration) Live (، (كون الفيديو يساعد في إيصال المعلومات بطريقة سريعة وسهلة)، تنقسم الى ٦ مراحل، عرضنا خلالها كيفية تطوّر الموسيقى وطريقة انتقال الصوت وإمكانية سماعه (The Sound)، وبعدها “التدوين الموسيقي” (Notation and the Music Technology ) أوالتنويط وهي اللغة التي يفهمها كلّ الناس”. وتابع:”اختلف أسلوب تدوين الموسيقى عبر العصور وعبر اختلاف الحضارات، فكان المؤلف يستخدم القلم والورقة من أجل تدوين الموسيقى ويرسلها الى الموسيقيين من أجل سماعها، تطوّرت بعدها طريقة الطباعة وصولاً الى اختراع الكومبيوتر الذي سهّل عمليّة التدوين والاستماع الى الموسيقى دون الرجوع الى العازفين، مع إمكانية تعديلها بشكل أفضل وبات بإستطاعة الفرد تأليفها والاستماع الى كل آلة بمفردها”.

وأضاف الاستاذ روجيه:”نصل الى المرحلة الثالثة، وهي نبذة عن تاريخ اختراع الـ”Synthesizer” بعد اختراع الكهرباء، الى أن تطوّرت وفرضت نفسها بقوّة في عالم الآلات الموسيقية، وباتت تستعمل في التأليف والعزف، لتصبح رَقمية “Digital” ومستعملة من خلال الكومبيوتر.” وأكمل:” أمّا في المرحلة الرابعة (“Sampler”) وهو تجسيد للآلات الحقيقية وإعادة عزفها من خلال الكومبيوتر، والذي يسمح لنا بتأليف موسيقى باستعمال أصوات حقيقية افتراضية وكأننا نستمع الى أوركسترا حيّة”.

“موسيقى الأفلام”

ونصل بعدها الى “موسيقى الأفلام” (Music for film)، وهي خلاصة كلّ المراحل التي تمّ تناولها سابقاً، مع فيديو يوثّق طريقة تطوّر “موسيقى الأفلام” حتى اليوم، باستخدام الأصوات الضخمة والاوركسترالية الجديدة من الكومبيوتر.

أمّا المرحلة الأخيرة، فهي “الذكاء الاصطناعي”، (Future of the Music Technology)

وهو يظهر المستقبل في عالم الموسيقى والكومبيوتر، وهو برنامج يحتوي على جميع المؤلفات الموسيقية التي مرّت عبر التاريخ حتى اليوم، بحيث أن البرنامج يستطيع تأليف الموسيقى من خلال بعض المُعطيات التي يُدخلها المُستخدم، مثلاً السرعة، النغمة، الفرح… وصولاً إلى امكان البرنامج من تأليف موسيقى خاصّة لكلّ شخص يستخدمه.